مقال نشر على صفحة العربية نت للكاتب عبد الرحمن الراشد هذا نصه
أتصور أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح سمع تلك الليلة أحد المعارضين على التلفزيون يعلق على خبر موافقة الرئيس على ترك الحكم قائلا: لن يكتفوا بتنحيه بل سيلاحقونه أينما ذهب، واستشهد بتصريح نسبه إلى منظمة العفو الدولية بأن أي اتفاق يحصل عليه الرئيس صالح من الوسطاء الخليجيين لن يعفيه من المحاسبة الدولية!
ربما هذا ما جعله يتراجع عن التنحي، لماذا يتنحى أي رئيس في العالم إن كان يجزم بأن مصيره مروع، وعنده خيار الرفض والمواجهة؟ أليس الأفضل له أن يموت واقفا على قدميه على أن يموت مربوطا بسلسلة إلى سرير في مستشفى سجن، أو محبوسا في قفص مع زوجته وأولاده ورفاقه؟
لا شك أن خبر حبس مبارك في مستشفى، في عمره وتاريخه، وفوق هذا بعد خروجه السريع من الحكم، وبعد أن تراجعت المعارضة حينها عن وعدها القبول بمقايضة التنحي مقابل العفو، وهو مفهوم الإسلام «من دخل بيت أبو سفيان فهو آمن» كل ذلك بدّل مفهوم الثورات السلمية، وشكك في الكثير من الوعود. لماذا يستسلم العقيد الليبي معمر القذافي ويقبل التقاعد ولديه ترسانة من الأسلحة؟ وهل يتوقع أن يترك الرئيس اليمني صالح الحكم وهو قادر على تحريك مائة ألف متظاهر لتأييده كل جمعة مقابل ماذا.. مستقبل مجهول؟ وبالطبع من المستحيل أن تقبل القيادة السورية الخروج، فقط لأن مظاهرات سلمية ملأت شوارع المدن تطالب برحيلها، لن تخرج من السلطة، من دمشق، حتى آخر رصاصة.
الثورة التونسية أوحت للمصريين بالثورة، لكن قسوة الثورة المصرية هي التي عطلت بقية الثورات المحتملة عربيا.
ولا أدري إن كان حق المحاسبة، أو الانتقام، في الثورة المصرية هو الذي عقد المشهد السياسي العربي بعد أن كان النموذج الذي أوحى بفكرة التغيير سلميا من الشارع التي كانت مستحيلة من قبل.
في الماضي كان تغيير الحكم السيئ لا يتأتى إلا بواحد من اثنين، عزرائيل ملك الموت، أو انقلاب. وعندما ثار التونسيون على حاكمهم بن علي وأنهوا حكم نحو ربع قرن في أقل من ثلاثة أسابيع، فجأة انهمر المصريون كالسيل في الشوارع باتجاه ميدان التحرير. وفي ثلاثة أسابيع مظاهرات سلمية خرج حسني مبارك هو الآخر بعد ثلث قرن من الحكم. بن علي اختار المنفى فنجا. مبارك رفض عروضا قدمت له بمنحه اللجوء، معلنا أنه يريد أن يموت على أرض بلاده. بعدها بدأت المطالبات، والجيش صار يقدم التنازلات.. والمزيد من التنازلات في وقت كان الرؤساء المحاصرون في بلدانهم يشاهدون بهلع ما يحدث في مصر. من المؤكد أن ما حدث وقاد إلى سجن مزرعة طرة والتهديد بالإعدامات سيجعل من المستحيل أن نشهد نجاحا لثورة سلمية بعد الآن. كلها ستضطر أن تتحول إلى ثورات دموية حتى تغير حكامها، كما نرى في ليبيا.وكما تراجع الرئيس اليمني رافضا التسليم، وتمترس وراء حرسه وسخر أمواله للمواجهة.
و أنا أرد عليه قائلاً:
"ماذا يصر البعض على تأليه الحكام, فالحاكم ما هو إلا شخص مختار من قبل الشعب ليدير شئون البلاد و التي لا يفهم فيها الكثيرون, و أعتقد أن الحاكم الذي يخشى أن يحاكم هو حاكم أجرم في حق شعبه و استمرار العناد يمكن أن يصل بالشعوب الطامحة في التغيير لمفترق أشبه بما حدث في رومانيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و لا دخل لثورة مصر في تعنت الحكام و تمسكهم بحكم شعوبهم رغما عنهم و تحت هذا الكره الشديد, لا أدري كيف يفكر هؤلاء الطغاة, العكس هو الصحيح فالثورة المصرية أرست قواعد أصيلة لتفعيل سيادة القانون و هي حالة غير مسبوقة في تاريخ المنطقة, و لا ذنب للثورة المصرية في أن حكام العرب جهلة أغبياء أيديهم جميعا أصبحت ملوثة بدماء شعوبهم"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق