تخلي عن كامل ثروته مرتين.. الأولي وهو في منتصف العشرينات، رغبة منه في التخلص من مال حرام حصل عليه عن طريق السرقة والنهب، واشتهر وقتها بـ»اللص التائب«، أما الثانية فكانت في نهاية الشهر الجاري، عندما خرج رئيس الوزراء عصام شرف عبر شاشات التليفزيون صارخاً بأهمية دعم البورصة ليستعيد الاقتصاد المصري عافيته،
وقتها قرر »محمد راشد 64 عاما« تقديم كل ما ادخره من أموال إلي بلده.
راشد ـ لمن لا يعلم ـ هو أحد أشهر اللصوص في التسعينيات، قام بتسليم نفسه طواعية إلي الشرطة، رغم عدم وجود أي دليل ضده، وقدم اعترافات كاملة بكل جرائمه وقبل كل هذا قدم كل أمواله إلي وزارة الداخلية، حتي أنه لم يترك لأولاده حينها قوت يومهم، من كثرة خوفه من المال الحرام.
يقول راشد، الذي يعمل في بيع الجرائد والكتب منذ توبته.. »أشعر بالاستحياء لأن كل ما أملك وتبرعت به هو 50 ألف جنيه، مضيفاً: رغم الفارق الكبير بين حجم الأموال التي قدمتها للداخلية وقت توبتي والتي بلغت 2 مليون جنيه، وتلك الأموال إلا أن الفارق كبير.. فأنا جمعت كل قرش من تلك الأموال بصعوبة وبمشقة من بيعي الكتب في الإشارات لتكون سند أولادي السبعة في المستقبل، إلا أنني أيقنت أن مستقبل مصر هو مستقبلهم.
يحلم راشد بعمل حزب ليس لعلية القوم ومثقفيهم، وإنما لخريجي السجون و»أصحاب السوابق« علي حد قوله، مبررا ذلك بكثرة عدد الأفراد الذين يدخلون السجن ويخرجون منه ويتابع قائلا ليس كل سجين إنساناً سيئاً ولا رجاء منه، فهناك الآلاف يخرجون كل عام مشيرا الي الـ 8000 سجين الذين تم العفو عنهم مؤخرا ويريدون أن يبدؤون حياة جديدة إلا أن وصمة »السجن« حتي لو كانت بضعة أيام تظل مصاحبة له، وعائقاً له عن بداية حياة جديدة طاهرة.
ويضيف: لو استطعنا من خلال حزب أن ندمج »خارجي السجون« في المجتمع ونقدم لهم مهنة أو حرفة، فضلا عن تقديم عشرات الأنشطة، ستقل الجريمة من المجتمع وربما تختفي نهائياً.
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية "اللص التائب" يتبرع بثروته ويطالب بحزب لأصحاب السوابق
و هذه قصة عم محمد كاملة
حين يقترب منك وأنت بداخل سيارتك في إشارة المرور. لا تنزعج.
ستظن أنه أحد الباعة الجائلين.. أو شحات يسألك عن مقابل لما سيقدمه لك، فهو يمسك بكتب في يديه يوزعها يميناً ويساراً.
قلنا لك: لا تنزعج. لن يطلب منك مالاً أو مساعدة، فقط هو يريد أن يخبرك بحكاية من أجل العبرة والموعظة.
هو الحاج "محمد راشد"، هكذا اسمه. سيخبرك أنه "اللص التائب"، وهو نفس عنوان الكتاب الذي يحمله في يده ليوزعه على المارة بعد أن طبعه على نفقته الخاصة. سيحكي لنا ولك في الشارع وفي الكتاب كيف رجع وأناب إلى الله وأعاد أمواله التي سرقها طوال السنين، مطالباً الجميع بأن يغفروا له ويقبلوا منه توبته، عسى الله يقبلها منه.
لص.. لكن جبان
أوقفناه على جنب، وطلبنا منه أن يسرد لنا قصته، فبدأها بتنهديه ثم قال: "اعتدت منذ شبابي على سرقة شقق في الأماكن الراقية مثل العجوزة والزمالك، ولم أكن ألجأ إلى الأماكن العشوائية. لكن أعترف بأنني كنت شخصاً ضعيفاً وشديد الخوف، وأذكر أنني دخلت شقة مهجورة في العجوزة، وأخذت أبحث عن أي أموال أو ممتلكات خفيفة، وفجأة وجدت فأر، ففزعت وجريت خارج الشقة وقررت ألا أكمل السرقة".
ويضيف عم محمد: "في مرة دخلت شقة اكتشفت فيما بعد أنها لسفير يعيش خارج البلاد، وكان بها خزنة كبيرة بطول الحائط، ولكنني لم أكن أعرف كيف أتعامل مع الخزن، مرت الأيام وفوجئت بعدها بفترة بخبر في الجرائد عن القبض على لص يسرق من نفس الشقة 3 مليون جنيه بالعجوزة ويترك 500 ألف ريال، وقتها تحسرت وقلت لماذا لم أسرقها أنا. ولكن قلت في نفسي ربما كنت سجيناً الآن.
ويكمل: "بعدها سرقت شقة ولكن تعرف علي البواب، وأخذ يطاردني حتى تم إلقاء القبض عليّ، وعندما سجنت جلست مع مجرمين محكوم عليهم بالإعدام والمؤبد، ورأيت ندمهم على ما فعلوه، فمنهم من بدأ طريق الحرام بالسرقة فانتهى به المطاف بالقتل والبلطجة فأصبح مسجلاً خطراً، ففكرت في نفسي، قد أكون اليوم سارقاً فقط، ولكن في الغد قاتلاً أو سفاحاً".
ظللت فترة داخل السجن أراجع نفسي، غلبني الشيطان كثيراً عندما سول لي أن الحرام هو طريقي الوحيد، ولا طريق غيره، وأنني لو أردت فعل الخير، سيبتعد الناس عني، فأخذ يوسوس لي كثيراً، ولكن دوماً كان هناك صوت من داخلي يقول لي أن الله غاضب مني بشدة لما أفعله، وكنت أشعر براحة أكبر كلما كنت أفكر في التوبة.
يارب.. يارب
ويضيف عم محمد: "كنت أنام وأنا أقول يارب.. يارب"، فرأيت رؤية في المنام وأنا في السجن، كانت عبارة عن ظل يملأ كل الجبل. ثم صوت ينادى ويقول خذوه في النار. وأنا نائم على حجرين أحدهما كأنه يحلق في السماء والآخر في الأرض. وإذا حركت قدمى سيقع الجبل فقلت وأنا ذاهب للنار: يارب أريد العودة للدنيا. أنا سرقت ولم أصلي".
ويكمل: "استيقظت من منامي وسمعت آذان الفجر ولكنني لم أكن أعلم كيف أصلي، فانتظرت حتى الصباح وذهبت لأحد شيوخ السجن لتعلم الصلاة، وبعدها أخذت القرار بعدم العودة إلى السرقة مرة أخرى، وتبت توبة نصوحة".
ويقول: "عندما خرجت من السجن أرسلت رسائل لكثير من الجهات وأنا داخل السجن لأعلن توبتي، وكنت أرغب حقاً في الخروج للعالم وأنا حسن النية قبل أن يفسدني السجن من جديد، وبالفعل قبلت وزارة الداخلية طلبي وجلست مع لجنة وصارحتهم بما في صدري وقلت لهم أنني سأعيد كل مليم سرقته، وبالفعل سمحوا لي بإعادة الأموال المسروقة، وكانت لدي 20 ألف جنيه وسوبر ماركت، ورصيد في البنك، حينها قبلوا توبتي وأخرجوني بعد نصف المدة".
عايز مقبرة!
الآن يتجول عم محمد في الشوارع ليوزع كتاباً ألفه بعد عدة سنوات من توبته، يحكي فيه قصته ويصف لساكني العقارات "كيف تحمي نفسك من السرقة"، و كتب رقم تليفونه في نهاية الكتاب لعل وسائل الإعلام تعيره الانتباه لكي يقص لأكبر قدر من الناس حكايته لعلها تتسبب في توبة اللصوص.
"مش عاوز أي حاجة من الدنيا.. أنا ربيت عيالي أحسن تربية. أنا كل اللي عاوزه من الدنيا إن الحكومة تتديني مقبرة أدفن فيها".
تركنا عم محمد ينادي على كتابه، لعل أحداً يشتريه منه ليعوضه عن ثمن طباعته، وفي خلفية صوته ترددت بداخلي تساؤلات: هل حقا تاب عم محمد توبة نصوحة إلى الله؟ هل اختار التنازل عن المال مقابل رضا الله؟ هل سيستطيع الاستمرار في حياته الجديدة.. أم أنه ضغط الحياة سيدفعه للعودة إلى الحرام؟..
كلها تساؤلات لازلت أبحث لها عن جواب.. دون جدوى.
المصدر: 20at
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق