الحراك الثوري الذي عمّ المنطقة العربية أمر واقع, حتى الدول التي لم يحدث فيها هذا الحراك تأثرت بشكل ما سلباً أو إيجاباً.
و هنا يجب أن نتساءل لماذا في هذا التوقيت؟
و سؤالٌ آخر, لماذا انتقلت العدوى الثورية لتدب في أركان الجسد العربي؟
دعونا ننظر للماضي نظرة متعمقة بعض الشيء.
عندما بدأت حركات التحرر في دول المنطقة كانت ضد المستعمر الأجنبي, الذي تفنن في تفتيت القاعدة الراسخة و تقسيم الكيان العربي لكيانات صغيرة متناحرة متقاتلة أو مسالمة لبعضها على حذر, و لأن الاستعمار كان يجب أن يرحل فكان بين أمرين: إما أن يترك هذه الدول لشعوبها و ليختاروا بأنفسهم طريقة حياتهم – حتى و لو كانت العودة لحياة ما قبل الحداثة التي فرضوها على المنطقة و التي لا تعترف بالأديان أو المعتقدات الأصيلة في نفوس الشعوب العربية, فالشعوب العربية هي أكثر الشعوب تديناً و اعتقاداً بين الشعوب.
و الأمر الآخر هو ما اختاره الاستعمار ليخرج من المنطقة بجسده فقط, و لتنفيذ هذا المخطط كان الآتي:
أولاً: زرع كيان دخيل في المنطقة يحمي مصالح الدول الاستعمارية و من يواليهم في المنطقة, و كان الوعد المشؤوم بدولة الصهاينة على الأرض الفلسطينية العربية.
ثانياً: اختيار حكام يحرسون مصالحهم في المنطقة, و لا مانع من تركهم يدغدغون مشاعر شعوبهم بالقومية العروبية و وحدة الصف المزعومة و القضية الواحدة و المصير المشترك.
و قام كيان بأكمله لاكتمال الخدعة و كانت جامعة الدول العربية و التي لم تحقق شيئاً من أهدافها حتى الآن و منذ قيامها.
و عاشت الشعوب تنتظر ساعة الاتحاد التي لم تأتي و لن تأتي بأيدي هؤلاء الحكام المختارون بعناية من الاستعمار للحفاظ على هذه الحالة من التخلف العلمي و الحضاري و الاقتصادي الذي وصل لأدنى مستوياته على مستوى شعوب العالم, بل و صار الانتساب لأحد هذه الشعوب سبة و اتهام في كثير من الأحيان.
و لمّا كانت مصر هي أول الدول المتحررة من قيود الاستعمار و لعلم الاستعمار بثقلها السياسي و الاجتماعي في المنطقة فكان اختيار حكامها بعد زوال الاحتلال بعناية فائقة, و لقناعتهم الشديدة بتأثير مصر الممتد منذ فجر التاريخ كانت المحاولات المستمرة لتهميش دورها و تأصيل روح الفرقة بينها و بين شقيقاتها, و كان لهم ما أرادوه لحين.
لم يحسب الاستعمار حسابا لهبّة الشعوب التي ظنوا –بزعم حكامها- أنهم قد أصبحوا أرقاما في إحصائية فقط, و لم تكن الثورة في مصر و قبلها تونس شيء عفوياً أبداً, بل كان نتيجة طبيعية لاطمئنان الحكام لخطتهم في تهميش الشعوب, و لأن الشعوب أبقى من حكامها, فلقد هبت الشعوب لتتبوأ مكانتها المختطفة منذ عقود
فلسنا موسميين و لكن ما حدث كان يغلي في صدور الشرفاء الذين لم يرضوا بالذل و التبعية و قاموا أخيراً من سباتهم القهري, و لماذا اشتعلت الثورات في معظم الأراضي العربية, فلأن الشعب المصري أشعل الشرارة و قدم النموذج, و ليس هذا تقليلاً من قدر الشعوب الأخرى و لكنه صورة من الاتحاد المنشود بين الشعوب, و لأن المصير واحد و الهدف واحد فكان ما حدث, و الذي أعتقد أنه لن ينتهي إلا و الشعوب العربية كلها تُحكم بقادة منهم مختارون بقاعدة شعبية و توافق كنا دائماً نتوق إليه و نسعى لنيله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق