الجمعة، 10 يونيو 2011

مصر وإسرائيل وفضيحة صفقة الغاز

image

كتب حسن نافعه

حين تفجرت فضيحة صفقة بيع الغاز المصرى لإسرائيل منذ سنوات، أصيب الشعب المصرى بالذهول من درجة الاستهتار التى كان النظام السابق قد وصل إليها فى تعامله مع قضايا مصر الحيوية، خاصة ما يتعلق منها بثرواتها الطبيعية المحدودة وأمنها الوطنى. فقد كشفت هذه الفضيحة أن النظام الحاكم يبيع الغاز لإسرائيل بثمن بخس، وبشروط مجحفة جدا سوف تمتد آثارها لعشرين عاماً مقبلة.

أى أن هذا النظام أقدم بتصرفه هذا على ارتكاب جريمتين كبيرتين فى وقت واحد: جريمة بيع سلعة استراتيجية مهمة لدولة توسعية يفترض أنها لاتزال تشكل التهديد الرئيسى لأمن مصر، وجريمة إهدار جزء من ثروة البلاد، كان بالإمكان التصرف فيه واستثماره بشكل أفضل لصالح الوطن والمواطنين.

ولم يكن أمام القوى الوطنية، فى ظل الأوضاع التى كانت سائدة فى مصر قبل ثورة 25 يناير، من وسيلة متاحة للعمل على وقف هذه الفضيحة سوى اللجوء إلى «القضاء الإدارى».

لذا قاد السفير إبراهيم يسرى، ومعه نفر من الوطنيين المخلصين، معركة قضائية وسياسية رائعة كللت بالنجاح وانتهت بصدور أحكام نهائية، تلزم الحكومة المصرية بوقف تصدير الغاز لإسرائيل بسبب عيوب قانونية وإدارية شابت الصفقة، لكن النظام لم يهتز واستمر فى عناده وتحديه.

كان من الطبيعى أن يختلف الوضع بعد الثورة وأن يتعامل النظام الجديد مع هذه الصفقة - الفضيحة - بمنهج مختلف لاستنقاذ ما يمكن إنقاذه من حقوق مصر المهدرة. ولوهلة بدا أن الجهد المطلوب يجب أن يركز على إعادة التفاوض حول الأسعار. ثم، وعندما تعرض خط الأنابيب فى سيناء لهجوم توقف على إثره تصدير الغاز، تصور البعض أن إسرائيل ستصبح مضطرة للتفاوض تحت الضغط وستقبل فى النهاية سعراً معقولاً يصحح الخلل القائم.

غير أن الشهور والأسابيع الماضية أثبتت أن الموقف الإسرائيلى لا يتسم بأى مرونة فى تعامله مع هذه القضية، وأنه يدفع فى اتجاه التصعيد واللجوء إلى التحكيم الدولى. فقد تناقلت الأنباء منذ أيام أن شركتى «إمبال» و«إيه. جى. آى» الأمريكيتين، المساهمتين بنسبة 28% من رأسمال شركة «غاز شرق المتوسط» قررتا رفع دعوى تحكيم أمام المركز الدولى لتسوية النزاعات الاستثمارية فى واشنطن ضد الحكومة المصرية، فى حال استمرار وقف تصدير الغاز لإسرائيل. وقد ادعت الشركتان:

1- أن وقف التصدير يعد انتهاكاً لاتفاقية حماية الاستثمارات، التى وقعتها مصر مع الولايات المتحدة الأمريكية.

2- أن الحكومة المصرية ملزمة بضمان توريد الغاز بحسب قرار وزارى أعطى صلاحيات لرئيس الهيئة العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعى كبائع لإبرام عقد توريد الغاز الطبيعى مع شركة شرق البحر الأبيض المتوسط.

3- أن البائع، وهو «هيئة البترول والقابضة للغاز»، يعد بمثابة طرف ثالث ضامن لكميات ونوعية الغاز الطبيعى التى سيتم تسليمها خلال مدة العقود. ومعنى ذلك أن مصر أصبحت مهددة بقضية تحكيم دولى جديدة. غير أن تلك ليست، فيما يبدو، هى المشكلة الأخطر أو الأكثر مدعاة للقلق.

فبعد القنبلة التى فجرها الأستاذ محمد حسنين هيكل، أمس الأول، وأشار فيها إلى وجود مذكرة تفاهم موقعة بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية، تربط بين صفقة الغاز ومعاهدة السلام، لا أعرف بالضبط كيف وبأى طريقة؟ (ومن هنا مطالبتى للأستاذ هيكل فى عمود أمس بضرورة نشر نص المذكرة التى أشار إليها فى حديثه على الرأى العام)، أصبح الموضوع أكثر تعقيداً وأكثر خطورة. وبالتالى علينا أن نتوقع شداً وجذباً كثيراً بين مصر وإسرائيل فى الأسابيع والشهور المقبلة.

بقى أن أذكر جيل الشباب، الذى ساهم فى تفجير ثورة 25 يناير، والذى لم يكن قد ولد بعد حين قرر الرئيس السادات، فجأة، أن يتوجه إلى القدس لإلقاء خطاب فى الكنيست، بأن هذه الزيارة، والتى شبهها البعض، حينذاك، بنزول أول إنسان على سطح القمر، صاحبتها حملة دعائية ضخمة تدق على وتر «السلام» و«الرخاء» وتبشر الشعب المصرى بعصر جديد من الرفاهية.

لكن ها هو هذا الشعب الصابر، وبعد أكثر من ثلث قرن من زيارة القدس ومن معاهدة «السلام» يجد نفسه مضطرا لبيع موارده الطبيعية بثمن بخس لتزدهر إسرائيل، كما يجد نفسه مجبرا على الاستمرار فى الالتزام بشروط هذه الصفقة المجحفة تحت تهديد «معاهدة سلام» تحولت إلى سيف مصلت على رقبته.

لكننى على ثقة تامة من أن الشعب الذى صنع ثورة 25 يناير لن يخاف من لجوء الشركات الأمريكية إلى التحكيم الدولى ولا من استخدام إسرائيل معاهدة السلام كوسيلة للابتزاز. فهو يدرك الآن إدراكاً واعياً حتمية الارتباط بين نظم الاستبداد فى الداخل ونظم الهيمنة فى الخارج، كما يدرك أن ثورته على استبداد الداخل لا تكتمل إلا بالثورة على قيود التبعية والهيمنة. وثورته لم تنته بعد ولاتزال مستمرة.

المصدر: المصري اليوم



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق