هذه واحدة من أعظم الثورات - إن لم تكن أعظمها - فى تاريخ العرب الحديث.. شعب عريق الحضارة يهبّ ثائرًا لكرامة طال إهدارها فى مواجهة نظام لم تعرف الإنسانية شبيهًا له فى فاشيته وطغيانه، متسربلا - ككل الأنظمة الفاشية - بجهاز إعلامى منحط، تتضاءل بجانب أساليبه القذرة كل إنجازات «جوبلز»، وكل زبانية التزوير لإرادات الشعوب، التى تحول ولاء الشبيحة وصمت النخبة البائسة وخوف العامة إلى تأييد جارف لنظام لا يمكن وصفه إلا بأنه نظام العار السائر نحو مصيره المحتوم إلى مزبلة التاريخ.
ها هو الشعب السورى العظيم يهرق يوميا دماء شهدائه بصبر وشجاعة.. يغنى فى مسيراته اليومية التى تضم كل فئات الشعب للحرية.. يواجه بصدور عارية مرتزقة مأجورين يقتلون لمن يدفع لهم، وجيشا نظاميا تربى على الولاء القبلى والعقائدى، فوجه بندقيته نحو شعبه الذى أقسم على حمايته والذود عن حدود الوطن، فإذا به يختار الوقوف بصف ديكتاتور تم تغيير الدستور من أجل أن يرث الحكم خلفا لأبيه الديكتاتور السابق.. طبيب لا علم له بأى شأن سياسى، يتباهى مختالا بجهله، ويحيا بحالة من الإنكار التام لكل ما يحدث حوله، كما فعل أسلافه من رؤساء المنطقة، ربما لأن مواجهة الواقع تعنى أن ثمة بصيرة مازال يتمتع به هؤلاء المخلوعون الذى يثبتون كل يوم أنهم لا يكادون ينتمون إلى جنس البشر، والذين يؤرقهم بعض من ضمير وبقايا من أخلاق.
كل ذلك مفهوم، ويكاد يكون مجمعا عليه.. ولكن الموقف البائس الذى تأخذه النخبة العربية والأنظمة - بما فيها الثورية منهما - ومنظمات المجتمع المدنى، هو موقف مخز وحزين، بل إنه يكاد يصبح عارًا لا يمكن غفرانه أو نسيان آثاره.
< نخبه منقسمة يتحجج معظمها بعدم فهم اتجاهات الثوار، ويعلن دون خجل أن ما يحدث ليس سوى مؤامرة خارجية بقيادة أمريكا وإسرائيل لضرب نظام مقاوم.. ولا يرى المروجون لهذه الرؤية البائسة الدماء المراقة كل يوم.. ولا يقولون لنا أين المقاومة لنظام لم يطلق طلقة على العدو منذ 1973، رغم احتلال أراضيه، ورغم عدوان إسرائيل المهين والمستفز على أراضيه ومفاعلاته.. نظام يتخفى وراء حزب لا يقل عنه فاشية، يريد تحويل أكثر البلاد ديمقراطية إلى مجتمع طائفى بغيض باحتكاره سلاحًا وأفكارًا يدعى صحتها المطلقة.. نظام يقتل الأطفال، وينزع حناجر الفنانين، ويكسر أيدى الرسامين، ويمارس كل أنواع الإهانة لكرامة أبنائه، يقتل بدم بارد وباستمتاع مريض، كيف يمكن اعتباره نظامًا مقاومًا إلا لحرية شعبه وحقه فى الحياة.
> نخبة أكثر بؤسا تراه نظامًا علمانيًّا قوميًّا يجب الوقوف بجانبه فى مواجهة معارضة أغلبها من الإخوان المسلمين والجماعات الدينية.. وهذا موقف لا يتسم بأى قدر من الأخلاق التى يجب أن يتسلح بها كل الثوار.. فالخيار هنا بين شعب، أيا كانت انتماءات أفراده السياسية والدينية، ونظام مغتصب للسلطة بالقهر والتزوير.. والعلمانى الحقيقى ليس شخصًا بلا أخلاق، بل هو مستعد لبذل حياته ثمنا لحق الآخرين فى التعبير عن آرائهم طالما كان ذلك بأسلوب سلمى، وفى إطار ديمقراطى يحترم رأى الأغلبية، ولا يتجاهل رأى الأقليات، ويضع المواطنة وسيادة القانون أساسًا لفهمه السياسى، ومحركًا لضميره الوطنى.. كما أن كل الدلائل التى تأتينا من سوريا العظيمة تشير إلى أن ما يحدث ثورة شاملة لكل طوائف الشعب السورى، وطبقاته واتجاهات أبنائه المعبرة عن حضارة شعب عظيم لا يمكن اختصاره فى حركة أو مجموعة.
> نظم هشة خائفة وجبانة - بما فيها جامعة الدول - لا ترى الجرائم اليومية التى يرتكبها النظام دون أى رادع من ضمير.. لا تحرك ساكنا، حتى بمجرد إعلان الرفض أو الاستنكار، أو الاعتراف بالتجمعات المعارضة الشريفة لهذا النظام الباطش.. فى الثورة الليبية قالت حكومتنا البائسة إنها تخشى على المصريين العاملين فى ليبيا من تصرفات مجنونها الحاكم، فما هى الحجة فى الوقوف ضد التقتيل اليومى للناس على أبواب حدودنا، ولشعب شقيق لن يغفر لنا أبدًا تجاهلنا لأرواح أبنائه ودماء شهدائه عبر أكثر من خمسة أشهر حتى الآن؟!
> إن مليونية من أجل الشعب السورى واليمنى هى أقل ما يفعله ثوار مصر، إذا أرادوا حقا أن يكونوا روادًا للثورة فى المنطقة، وطلائع الحرية للعالم كله.. شباب الثورة المصرية المنشغلون بتداعيات ثورتهم العظيمة عليهم أن يلتفتوا لشعوب تتوق لكلمة منهم، ولكل أشكال التضامن الكفيلة بهزيمة الظلم والفاشية فى كل أنحاء العالم العربى.. قاطعوا النظام السورى.. على النقابات الفنية أن تعلن فورًا مقاطعة مهرجان دمشق القادم، وكل الأنشطة الفنية والثقافية للنظام، وتوجيه رسالة واضحة لفنانى النظام، خائنى الشعب، الذين أظهروا وجوههم الحقيقية بعد أن نزعت عنهم ثورة الشعب العظيم كل الأقنعة، وحتى أوراق التوت.. و يا إخوتنا فى سوريا.. لا تيأسوا.. اقترب نصركم، فالشعوب الحرة لا تُهزم أبدًا.
مجدى أحمد على
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق