نسب ولادة واسمها
هي ولادة بنت المستكفي بالله محمد بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن الناصر لدين الله الأموي، شاعرة أندلسية، من بيت الخلافة. وكانت واحدة في زمانها، المشار إليها في ذلك الوقت بسبب شعرها. وكانت تخالط الشعراء في زمانها وتساجلهم بل وتنافسهم.
أشعارها
كانت ولادة تحب الشعر، وكانت مع ذلك مشهودة بالصيانة والعفاف، حيث كانت شاعرة وأديبة من شواعر الأندلس وكان في قولها حسنة وجزلة الألفاظ، أنها كانت تناضل الشعراء، وتساجل الأدباء وتفوق البرعاة، فكان مجلسها في قرطبة ملعبا بجياد النظم والنثر يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها وعلى سهولة حجابها وكثرة منتابها ،كانت تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم انساب وطهارة أثواب على أنها وجدت للقول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهدتها.
وقالت ولادة مداعبة للوزير ابن زيدون وكان له غلام اسمه علي:
إن ابن زيدون على فضله يفتا بني ظلما ولا ذنب لي يلحظني شـزرا إذا جـئته كأني جـئـت لأحـضـي علي
وكانت لولادة جارية سوداء بديعة الجمال فظهر لولادة أن ابن زيدون مال إليها فكتبت إليه:
لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا لم تهـو جاريتي ولـم تتـخـير وتركـت غـصنـا مثمرا بجـمالـه وجنحت للغصن الذي لم يثمر ولقد عـلمـت بأنني بدر السـما لكن ولعت لـشوقي بالمشـتري
ولادة بنت المستكفي وابن زيدون
كانت ولادة في المغرب تعد كعلية بالمشرق إلا أن ولادة تزيد بمزية الحسن الفائق، وأما الأدب والشعر والنادر، وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها، وكان لها صفة في الغناء، وكان لها مجلس يغشاه أدباء قرطبة وظرفاؤها، فيمر فيه من النادر وإنشاد الشعر كثير لما اقتضاه عصرها.
وقيل: إن ابن زيدون لم يزل يروم دنو ولادة والاقتراب منها ولعا وحبا بها، فيهدر دمه دونها، ويهدد لسوء أثره ملك قرطبة وواليها، وعندما يئس من لقياها وحجب عنه، وكتب إليها يستديم عهدها، ويؤكد ودها، ويعتذر من فراقها بالخطب الذي خشيه، والامتحان الذي غشيه، ويعلمها أنه ما سلاها بخمر ولا خبا ما في ضلوعه من ملتهب الجمر، وهي قصيده ضربت في الإبداع بسهم، وطلعت في كل خاطر وهم، ونزعت منزعا قصر عنه حبيب بن أوس الطائي (البحتري) وعلي بن الجهم، وتعد القصيدة النونية لابن زيدون من غرر الشعر العربي، والتي نوردها في هذا المقام لأهميتها:
أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا
ألا وقد حانَ صُبح البَيْنِ صَبَّحنا حِينٌ فقام بنا للحِين ناعِينا
مَن مُبلغ المُبْلِسينا بانتزاحِهم حُزنًا مع الدهر لا يَبلى ويُبلينا
أن الزمان الذي ما زال يُضحكنا أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا
غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا بأن نَغُصَّ فقال الدهر آمينا
فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا
وقال ابن زيدون يخاطب ابن عبدوس لاشتراكه معه في هواها:
أثرت هزبر الشرى إذ ربض ونبهته إذ هدا فأغتمض
ومازلت تبسط مسترسلا إليه يد البض لما اتفبص
حذار حذار، فأن الكريم إذا سيم خسفاً أبي فامتعض
وإن سكون الشجاع النهوس ليس بمانعه أن يعض
عمدت لشعري ولم تتئد تعارض جوهره بالعرض
أضاقت أساليب هذا القريض أم قد عفا رسمه فانقرض
لعمري فوقت سهم النضال وأرسله لو أصبت الغرض
وغرك من عهد ولادة سراب تراءى وبرق ومض
هي الما يعز على قابض ويمنع زبدته من مخض
ومن شعر ابن زيدون وولعه بولادة بنت المستكفي قوله :
إني ذكرتك بالزهرة مشتاقا والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في أصائله كأنما رق لي فاعتل إشفاقا
والروض عن مائه الغضي مبتسم كما حللت عن اللبات أطواقاً
يوم كأيام لذات لنا انصرمت بتنا لها حين نام الدهر سراقاً
نلهو بما يستميل العين من زهر جال الندى فيه حتى مال أعناقاً
كأن اعينه إذا عاينت أرقي بكت لما بي فجال الدمع رقراقاً
ورد تألف في ضاحي منابته فازداد منه الضحي في العين إشراقاً
سرى ينافحة نيلو فر عبق وسنان نبه منه الصبح احداقاً
كان يهبج لنا ذكرى تشوقنا إليك، لم يعد عنها العدر أن طاقا
لو كان وفي المنى في حمغا بكم لكان من أكرم الأيام أخلاقا
لا سكن الله قلباً عن ذكركم فلم يطر بجناح الشوق خفاقاً
لو شاء حملي نسيم الريح حين هفا وافاكم بفتى أضناه مالا قي
وقالت ولادة تهجوا الأصبحي:
يا أصبحي اهنأ فكم نعمة جاءتك من ذي القرش رب المنن
لقد نلت ياست ابنك مال ينل بفرج بوران أبوها الحسن
"ومرت ولادة بالوزير أبي عامر بن عبدوس وأمام داره بركة تتولد عن كثير الأمطار وربما استمدت بشيء مما هنالك من الأقذار، وقد نشر أبو عامر كمية ونظر في عطفيه وحشر أعوانه إليه". فقالت له:
أنت الخصيب وهذه مصر فتدفقا فكلاكما بحر
وفاة ولادة بنت المستكفي
أن ولادة بنت المستكفي كانت من أروع الشعراء والأدباء في شعرها حيث كانت لها مكانة مميزة في الشعر، وقد تركت وفاتها فراغاً كبيراً في نفوس محبيها وقد عمرت عمراً طويلاً، ولم تتزوج وماتت لليلتين خلتا من صفر سنة ثمانين، وقيل أربع وثمانين وأربعمائة، وكان أبوها المستكفي بايعه أهل قرطبة لما خلفوا المستظهر.
ابن زيدون يصف الزهراء
اني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والافق طلق ومرأى الأرض قد راقا
وللنسيم اعتلال في اصائله كأنه رق لي فاعتل اشفاقا
والروض عن مائه الفضي مبتسم كما شققت عن اللَّبات اطواقا
نلهو بما يستميل العين من زهر جال الندى فيه حتى مال اعناقا
كان اعينه إذا عاينت ارقي بكت لما بس فجال الدمع رقاقا
ورد تالق في ضاحي منابته فازداد منه الضحى في العين اشراقا
سرى ينافخه نيلوفر عبق وسنان نبه منه الصبح احداقا
كل بهيج لنا ذكرى تشوقنا اليك لم يعد عنها الصدر إذ ضاقا
لا سكن الله قلبا عق ذكركم فلم يطر بجناح الشوق خفاقا
لو شاء حملي نسيم الصبح حين سرى وافاكم بفتى اضناه مالاقى