كان قابعاً في ركنه الذي لم يغيره منذ سنوات بعيدة, بعيداً عن عيون الليل التي تتلصص على النفوس فتعريها, زاوية ضيقة تلك التي اختارها لنفسه, هبت نسمات تحمل عطوراً ممتزجة مرت على أنفه و لكنه رفضها...بل اغتالها, ثم ألقى بها بعيداً في ركن آخر مهجور في طيات نفسه المحطمة, فتحولت إلى جيف نتنة, هبت نسمات أخرى باردة فالتحف رداءه يتوارى منها, يصدها عن نفسه التي كانت تتأجج في جحيمها, ثم هطلت الأمطار فتضاءل داخل جلده, و انكمش حتى أصبح كجرادة لم يدخل جوفها العشب منذ آلاف السنين.
تمر الأيام و السنوات و هو مازال قابعاً في ركنه المظلم, تراكمت الشهور و الأعوام على ظهره, تحطمه تحطيما, ثم تحرك ذلك الفأر و بدأ بتمزيق تلك الخيوط التى نسجها هذا العنكبوت من زمن بعيد, تمرد الفأر أخيراً و حارب كل قوى الطغيان, قتل العنكبوت...ضربات متوالية دعمتها نسائم لم يعهدها من قبل, نسائم سقطت من السماء, غمرته و اشعلت في كل الأركان نيران الطهر و النقاء, نيران بيضاء لا حر فيها, و لكنها برد و سلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق