خرجت كعادتها تتسوق من سوق الخضروات القريب من مسكنها، سارت عدة أمتار لم يتجاوزن العشرة و لم تجاوزهن، لملموا أشلائها من فوق الرصيف و من نهر الطريق بعدما اختلط اللحم والعظم بحطام المبنى الذي تهدم، ثم وجدوا كيس نقودها في أحد الأركان مفتوحاً تطل منه ورقة مالية فئة الألف دينار.
كانت الشرارة الأولى، و لم تكن الآخرة، لم تكن هي أول من قتل، و لن تكون الأخيرة، لم يقنع السفاح بهذا فلقد بدأ في التهام أعراض الصبايا و آخر ما تبقى من شرف الرجال.
الجميع يضحكون...يتشدقون....يشربون حتى الثمالة، لا عليك فهم بعيدون هناك يموتون في ديارهم و ليس في ديارنا، هكذا جادت قريحتهم، و أمام الميكروفونات يُسمع صراخهم مدوياً "إلى المعركة"
انتهت المعركة.... بل بدأت المعركة, فساعة جثم السفاح على صدر هذه الأمة و على مقدساتها، بل على دروبها و عقول أهلها، بدأت المعركة دمدمت الأرض تحت أقدام السفاح و لكنه أبى إلاّ أن يزرع بدلاً من قدميه عشرون ألف قدم, أكاليل الغار و الفخار على رؤوس المحتلين، و الأنخاب تُشرب من دماء الأطفال، و في نفس المكان بالقرب من سوق الخضروات بوسط العاصمة عاد صبي يبحث عن بقايا أمه فوجد بقية من ذراع يلتهمها أحد الكلاب......و الجميع يشربون حتى الثمالة.
وصل الزحف إلى العقول...إلى القلوب...بل إلى عقر ديارهم, و هم لا يزالون يشربون حتى الثمالة، و أمام الميكروفونات يسمع صراخهم "إلى المعركة"
انتهت المعركة و تلونت الأرض بلون جديد يصارع لونها القديم و لكنه لا يريد الاستسلام، و يأبى لون الدماء إلاّ أن يكون هو السيّد.
لملموا أشلاؤها في خرقة نصف محروقة, ثم حملوها إلى أقرب مكان آمن، ولكنهم لم يجدوا واحداً، فكل الأماكن ترفض أن تلبي حاجتهم للأمان، ثم حاصرتهم أسوار من دخان أسود كثيف، ورائحة العفن تتخلل الأنوف، تركوها أخيراً مرغمين، فلم يعد في صدر أحدهم نفس يتردد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق