تجمهروا جميعاً و تزعمهم قلمي, رفعوا شعاراً " نريد العودة", سألت القلم إلى أين تريد العودة؟ قال: إلى أصابعك لتحتويني و تجعلني أجود بما اختزن داخلي من آلام و أحزان, قلت له: لا أريد العودة إلى الأحلام مرة أخرى, فقال لي: لن تعود للأحلام فما مضى قد مضى, آن أوان الهوى, هاهي الأزهار قد أينعت, تهفو لتلمس أنفاسك, و هذه الفراشات تحوم حول قلبك تريد الرسّو حتى و لو كان فيه هلاكها.
قلت له و قد تملكتني الحيرة, كيف ترى مالا أرى, و تريد عودتي إلى الأحلام, لقد برئت منها و لازال السكين في جرحي الذي يئن, تعب مني الألم و تبرأت مني الأحزان, إن كنت تريد العودة للحياة فليكن ما تريد, سأعطيك فرصة أخيرة و لكن بعدها ستُقصف و تُلقى بعيداً, حيث مقبرة الأيام.
أريد أن أجعلك تخط كلماتٍ لم تُخطّ من قبل, سأعيدك إلى عالمي مرة أخرى و لكن لتكتب ما أريده أن يخرج للحياة, أكتب يا قلمي هل هانت على الدنيا أيامي؟ هل أصبحت لقمة في فم اللّاهيين, أرتحل كل يومٍ من مدينة الأحزان, و كلما خطوت خطوة للأمام عدت عشراتٍ للوراء, هل أنا هو أنا كما تعرفني الحياة, أم أنا ظل يمكن أن يمحى لو غابت عنه الشمس؟ أين أنتِ يا من كتب اسمك على جدار قلبي؟ أين أنتِ يا من ستمدين يد الحياة لكياني, هل أنا غافل أم أعمى لا أرى, هل أنتِ من يلوح ضياؤها من ظلمتي التي امتدت أحقابا, نسيت فيها اسمي كما نسيت عنواني, هل ما أسمعه صحيحٌ هل أذناي بخير, هل أنا نائمٌ أم أنا في عداد الأحياء, يا قلمي لو كانت سراباً فلن أعود, دعني أغيب في طي صفحات الأحزان, دعني أرحل و لا أعود.
رد على قلمي ساخراً: أيها الغافل أفق, لقد أشرقت الشمس من جديد, ألا ترى لمعان شعاعها, ألا تحس بدفئه, لن أدعك حتى تتركني أكتب ما أريد.
قلت له: أنا من سيملي عليك, أكتب يا قلمي و اجمع كل رفيقاتك من الأوراق البيضاء, اكتب
أنا الحائر و هي الدليل, أنا المجروح وهي دوائي, اليد التي ستنزع السكين, أنا الذي ضاع في دوامة القهر و هي حريتي و جناحي الذي به أطير,هي من حفر اسمها في القلب, هي البرهان على استمرار الحياة في مسارها الصحيح, أصبحت و قد تسلل صوتها كل الشرايين, و أمسيت و قد عاهدت قلبي الحنين, كل يوم يمر أقترب من حماها, كل يوم تفتح أحد الأسوار, جنتك ما أريد لا ترديني إلى الأوهام من جديد.
توقف القلم معترضاً و قال: أعتذر و لكني سأتوقف, ما أعطيتها حقها
قلت: معك كل الحق, أنا بالفعل لم أعطها حقها, و لكني لم أكمل, دعني أكمل و سنرى
أيتها المختبئة خلف الأسوار أناديكي : أنا طفلك يا أم البراء
ألتمس في عينيك الشفاء, أبحث عندك عن دواء, هل ستمدينه بالرواء, ظمآن و أبغي شربة ماء, ضنت على الأيام بها, و أراها عندك.
من بحر عينيك سأنهل حتى أرتوي, سأرحل لآخر الدنيا لأهديك زهرة برية لم تُهدى لأنس و لا جان, سأغوص بحار العالم لأظفر بلؤلؤةٍ ترصع جبينك, سأهدم تلك الأسوار و سأرحل و أعود حاملًا قلبي بين كفي قرباناً لحبك المنشود, أيتها المختبئة من الأيام, تدفنين وجهك بكفيكي خجلاً, آن أوان الهوى, آن أوان الأحلام, معك أكون و بدونك لا أكون.
هل رضيت يا قلمي أم تريد المزيد؟
قبل أن تجيبني أنا سأجيب
أنا لم أفك حقك يا ملاكي و أميرة قلبي, ما كتبت سوى بعض من وحيك و إلهامك, بعض مما تعودتِ على بذله فعذراً أنا مازلت طفلاً يريد أن يتعلم
معك علمت لي اسماً, معك أكون أنا, كما أعرفني ولست أنا كما يريدون, في قلبك وجدت عنواني, و في صوتك أسمع ألحاني.
آه يا قلمي لو أنك تركتني وذهبت عني, كنت سأفرغ كل ما أحمله في قلبي عندها, دون وساطتك, و دون تدخل الأوراق, و لكني أشكرك لقد عدت إلى جنتي و هذه المرة لست وحدي, فرحب معي بمليكتي وصاحبة الإلهام, رحب معي بحبيبتي هبة السماء, رحب معي بسيدة قلبي وملاذي من الأحزان.
انحنى القلم ولم يرفع هامته, ورسم على الأوراق حديقة و أزهار, و كتب " مرحباً بك في مملكتك يا حبة القلب و الوجدان, هذه جنتك فانعمي مع من زرعها لك زهوراً و رياحين".
و الآن يا قلمي فلتصمت قليلاً و دعها تسمعنا أعذب الألحان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق