المقال الثاني
منهج القصة في القرآن الكريم :
يقول الدكتور نور الدين عتر : لما كانت القصة في القرآن تهدف إلى مقاصد دينية وايمانية كانت طريقة القص في القرآن متميزة عن المألوف في هذا الفن لكي يتلاءم أسلوب القصة مع الوفاء بحق الغرض الذي سيقت لاجله ومن ابرز سمات المنهج القرآني ما يلي :
القصة في القرآن لا تأتي بتمامها دفعة واحدة بل تأتي حسب الغرض والهدف الذي تسرد من اجله القصة.
استخراج التوجيهات والعظات والدروس التي تأتي بها القصة كما جاء في قصة لقمان مثلا ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ).
التكرار : إن منهج القصة في القرآن يختلف تماما عن منهج القصة العادية فهناك خصائص معينة تلتزمها القصة في القرآن ومنها التكرار ويقسم إلى قسمين :
- تكرار القصة : أي أن تأتي قصة نبي من الأنبياء في اكثر من مكان وهذا التكرار ليس في هيكل القصة وانما يكون تكرارا ملائما للغرض الذي اقتضى الاستشهاد فيه مثلا قصة إبراهيم عليه السلام وردت في القرآن في عشرين موضعا ولكل موضع عبر ودروس وكذلك قصة موسى مع فرعون وردت في كثير من سور القرآن الكريم .
- تكرار العبارات والجمل : وهذا أسلوب تميز فيه القرآن الكريم وهو إن دل على شيء فهو يدل على عظمة هذا الخالق وإعجاز القرآن الذي بهر العرب على الرغم من قوة بلاغتهم كما أن التكرار لم يأت هكذا وانما دلالته وإعجازه وبلاغته مثل قوله تعالى في سورة الأنعام ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) هنا حرم الله قتل الأولاد الذي يدفع إليه الفقر النازل بالآباء فناسب لذلك تقديم ذكر الآباء لانهم هم من يعانون الفقر لذلك قال ( من إملاق ) وقال تعالى في سورة الإسراء ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) هنا حرم تعالى قتل الأولاد الذي يدفع إليه الخوف من الفقر في المستقبل بسبب تضاعف مسؤوليات النفقة بسبب الأولاد لذلك قدم ذكر الأبناء ( نحن نرزقهم وإياكم ) .
أما الخصائص الفنية كما حددها الدكتور عتر :
أولا : تنوع طريقة العرض يوجد في القرآن أربع طرائق لعرض القصة :
1. ذكر ملخص ثم القصة ثم الدخول في التفاصيل يسرد القصة من أولها إلى آخرها كما جاء في قصة أهل الكهف .
2. ذكر عاقبة القصة ومغزاها ثم الدخول والابتداء بالقصة مثل قصة يوسف عليه السلام بدأت بالرؤية ثم تبدأ القصة بعد ذلك حتى النهاية .
3. ذكر القصة مباشرة وبدون مقدمة أو تلخيص ومثال ذلك قصة مريم عند مولد عيسى عليه السلام وقصة سليمان مع النمل والهدهد وبلقيس.
4. تحويل القصة إلى تمثيلية تبدا بالعرض ثم يدع القصة تتحدث عن نفسها بواسطة أبطالها ومثال ذلك قصة إبراهيم وإسماعيل في بنائهما للكعبة قال تعالى ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ).
ثانيا : تنوع طرق المفاجأة :
1. فالقصة تكتم سر المفاجأة عن البطل والقارئ حتى تكشف لهم معاً في آن واحد مثال ذلك قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح في سورة الكهف .
2. ومرة تكشف السر للقارئ وتترك أبطال القصة في عماية وغالبا ما يكون هذا في موضع السخرية يقول تعالى في قصة أصحاب الجنة ( إذ اقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليـهـا طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم ).
3. ومرة تكشف السر للقارئ فهو خاف على البطل في موضع وخاف على القارئ والبطل في موضع آخر من القصة الواحدة مثال ذلك قصة عرش بلقيس الذي احضر في غمضة عين حيث عرفنا نحن انه بين يدي سليمان على حين ظلت بلقيس تجهل ما نعلم ولكن مفاجأة الصرح الممرد من قوارير ظلت خافية علينا وعليها حتى فوجئنا بسرها معا
4. وقد لا يكون هناك سر بل تواجه المفاجأة البطل والقارئ في آن واحد مثل قصة المخاض لمريم العذراء.
وهكذا نرى انه من يقرا القرآن لابد وان يتذوق حلاوته وان يستمتع بأسلوبه المعجز الذي اذهل العرب فلو اجتمع كتاب القصة من المشرق إلى المغرب لما استطاعوا أن يأتوا بما جاء به القرآن الكريم من رسم للشخصيات واحداث لذلك بقي القرآن منذ نزوله وحتى الآن مصدر لإلهام الكثير من الكتاب والشعراء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق