يحتاج الانسان إلى المزيد من الوقت لاستيعاب الخوارق، في الحقيقة هو يحتاج إلى الكثير من الوقت، فلقد كان و ما زال الانسان عدو ما يجهل، تعودت الأمم و الشعوب دائما على أنماط من الحياة اخترعوها و ارتضوها لأنفسهم، و عادة ما يعلم هذا الحكام فيمعنون في بسط نفوذهم و تشعيب جذور سلطاتهم لتأصيل النمطية في حياة ما يحكمونهم، و غالبا ما ينجحون – ليس عن قوة منهم- و لكن لتمكين الشعوب لهؤلاء من مقدراتهم و حياتهم.
و هناك أمثلة صارخة ممتدة عبر التاريخ منذ عهود الفراعنة و الحكام الآلهة و أنصاف الآلهة عند الرومان و الإغريقيين، فلقد حكموا بسلطة إلاهية و ليس حكما يرضى عنه الجموع من الأمم، و كان من الكفر الخروج عن ما يراه الحاكم أو الإله.
و حدث هذا مع الأنبياء و المرسلين من الله لهداية البشر، و القديسين و المبشرين و الحواريين و الصحابة، كلهم تعرضوا للسب و القذف و الاتهامات من بين السحر و حتى الجنون.
و لماذا يفعل الانسان هذا، لماذا يكون له هذا الموقف الرافض من الجديد و من المدهش من الأفكار....؟
هل لأن الانسان بطبعه يكره أن يهدد أحد مسلماته الحياتية أم أنه يكره التغيير في حد ذاته.
على مرّ العصور جاء أناس مميزون في تاريخ البشرية بأفكار جديدة – غريبة- في وقتها، و كان أول ما حدث لهم عند طرح أفكارهم هو الرجم أو الحرق أو الاتهامات بالجنون، فكل العلماء و الأنبياء.
و في الثورات يحدث هذا و لكن بشكل آخر، في الثورات تنقسم الأمم – ليس بالضرورة لقسمين متساويين- و لكن يحدث الانقسام.....هناك من يقوم بالمهمة الأولى و هي إشعال الثورة، و هؤلاء هم المؤمنون بضرورة التغيير الجذري لنمط حياة استشرى فيه الفساد بكل أنواعه ( كما أرسل المرسلون و الأنبياء لإخراج الناس من عبادة الناس لعبادة رب الناس) أصبح هؤلاء بمثابة مشعلي شعلة التنوير لإخراج الأمم من حالة الخنوع للمفسدين لحالة التحرر من قيودهم المصنوعة بدقة، و لأن الانسان يركن دائما للثوابت التي يعتقد أن فيها خلاصه، فهو يعتبر الثورة في حد ذاتها فعل مكروه لأنه يحدث حالة من الهياج الجماعي و يؤدي في بعض الحالات للفوضى و هذا يكون في المجتمعات الأقل تحضرا، و تتحول حالة الرفض للفعل الثوري لحالة من الرفض لمن قاموا به، و من ثم تتحول لحالة هجوم على من قاموا بهذا الفعل و اعتبارهم أعداء الاستقرار و معطلي حركة الوطن الانتاجية و التقدمية إلخ...
و تتحول الثورة بعد وقت من هذه الفئات – إذا نجحت – إلى أعمال شغب و فوضى، و لكن إذا حرس الثوار ثورتهم و تفانوا في توصيل رسالتهم سيصلون بعد جهد جهيد و تضحيات كثيرة لما يريدون و هو التغيير الجذري و الخروج من حالة الاستسلام للذل لحالة التحرر و قيادة الذات.
و عبر العصور تفنن أعداء الثورات في إغاظة من قاموا بالثورة فيتعمدون إهانة رموزهم و قيمهم حتى و لو كانت صالحة، ليست لشيء إلا الرغبة الجامحة للعودة للثوابت التي تزلزلت و أركان المصالح التي هدمت، فإنك ستجد على مدار العصور أشرس المهاجمين للحركات الثورية هم اشد المنتفعين من بقاء الأوضاع على ما هي عليه, و دعواهم في هذا أن الحياة كانت تسير مع وجود الفساد و أن حياتهم قد تعثرت مع قدوم الثورة، و أن أموالهم أصبحت مهددة و أن أعراضهم أصبحت مهددة, فهم كانوا في واد آخر غير الذي يعيش فيه جموع أهل الوطن المطحون الواقع تحت القهر المباشر و المتضرر الأول من حالة الفساد و تمييع القيم و تزييف كل الأخلاقيات، فدائما أعداء الثورات هم الفاسدون بالتبعية و المنتفعون من حالة الفساد العام ماديا و معنويا.
و يكون في الغالب هناك أعداء للثورة أقل منهم ضراوة و ليس عندهم منافع تذكر مع الماضي و لا عندهم رأي أو فكر معين يدافعون عنه، و هؤلاء يكونون منساقون بحكم العادة، فلقد تعودوا على ما كان و الذي يمكن أن يكون ممتدا لعقود طويلة، فيكون هناك جيل أو أجيال بكاملها قد ولدوا و تربوا و ترعرعوا بل و شابوا في عهد لا يستطيعون في الحقيقة الحكم على كنهه، فهم بلا فكر معلن أو مبطن أو عندهم رؤية جلية لحياتهم، فهؤلاء هم المنساقون مع التيار، كما تريد الحياة تجدهم وراءها بحلوها و مرّها، و هؤلاء كثيرون في كل عصر و حين.
فلقد كان أشد المحاربين للرسل و الأنبياء هم أكثر الناس تضررا من سيادة الحق و الحرية، و لهذا كانت الحرب شرسة، و مع مرور الزمن تجد الجموع العريضة تتوافد لمعايشة الفكرة الجديدة أو الرسالة المنزلة في أول الأمر على استحياء، و مع مرور الوقت تجد الكل – إلا قليلا- قد انضوى تحت راية الرسالة أو الفكرة الجديدة، و مع مرور الأزمان و تراكم المفاسد التي تتسلل داخل جسد الأمم و الشعوب يألف الجمهور العريض هذا الفساد بل و يتعايشون معه باعتباره شر لابد منه و أن الحياة لن تستقيم بدونه حتى تأتيهم الفكرة الصادمة الجديدة و هي في الحقيقة ليست جديدة بل هي نفس الفكرة التي اعتنقوها في أول الأمر طواعية، و دائما هناك من يكون ضمير الأمة و محرك الراكد و الذي يعيد الجموع الضالة للحقيقة مرة أخرى.
فالثورات و الرسالات السماوية و جهد المجتهدين من المصلحين على مر العصور ما هي إلا نواقيس تدق من حين لآخر لتنبه الناس أن عقيدتهم أو نمط حياتهم قد أصبح فاسدا و وجب إعادة النظر و إصلاحه من جديد، و كان و لا تزال هذه هي سنة الله تعالى و التي لم و لن تتغير حتى يرث الله الأرض و من عليها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق